الجمعة، 5 مايو 2017

من مواقف إبراهيم بن أدهم في الحج

من مواقف إبراهيم بن أدهم في الحجللصالحين الزاهدين أحوالًا عجيبة في عباداتهم .. ومن بين هؤلاء الزهاد إبراهيم بن أدهم أمير الزهاد، فقد كانإبراهيم بن أدهم واحدًا من هؤلاء الصالحين الذين كانوا من أبناء الملوك، إذ كان والده ملكًا من ملوك خراسان وكان سبب زهده أنه خرج مرة إلى الصيد فسمع هاتفًا يقول له: يا إبراهيم، ما لهذا خُلِقْتَ ولا بذا أُمرتَ، فحلف ألا يعصي الله تعالى، وترك ملك أبيه فأكثر من السفر في طلب العلم والازدياد من الطاعات.
ونحن في موسم الحج دعونا نتأمل سويًا في أحوال هذا الزاهد العابد في الحج، فروي أن إبراهيم بن أدهم حج مرة مع جماعة من أصحابه فشرط عليهم في ابتداء السفر أن لا يتكلم أحدهم إلا لله تعالى، ولا ينظر إلا لله.
فلما وصلوا وطافوا بالبيت رأوا جماعة من أهل خراسان في الطواف معهم غلام جميل قد فتن الناس بالنظر إليه، فجعل إبراهيم يسارقه النظر ويبكي. فقال له بعض أصحابه: يا أبا إسحاق، ألم تقل لنا: لا ننظر إلا لله تعالى. فقال: ويحك، هذا ولدي وهؤلاء خدمي وحشمي.
وأنشد يقول:
هجرت الخلق طراً في هواكا *** وأيتمت العيال لكي أراكا
فلو قطعتني في الحب إربا *** لما حن الفؤاد إلى سواكا
وخرج إبراهيم ابن أدهم رضي الله عنه يومًا ماشيًا قاصدًا الحج فرآه رجل كان يركب ناقه، فقال له: إلى أين يا إبراهيم؟، قال إبراهيم: إلى الحج، فقال له: وأين الراحله والطريق بعيد وشاق؟، فقال إبراهيم رضي الله عنه: لي مراكب كثيره، قال السائل: وأين المراكب، وما هي؟، فأجابه إبراهيم: إذا نزلت المصيبة ركبت مركب الصبر، وإذا نزلت النعمة ركبت مركب الشكر، وإذا نزل القضاء ركبت مركب الرضى، وإذا دعتني نفسي إلى شيء علمت أن ما بقي من الأجل أقل مما مضى، فقال له السائل: سر بإذن الله فأنت الراكب وأنا الماشي.
وقد نقل عن الإمام ابن رجب أنه قال: الحج المبرور مثل حج إبراهيم بن أدهم مع رفيقه الرجل الصالح الذي صحبه من بلخ، فرجع من حجه زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة، وخرج عن ملكه وماله وأهله وعشيرته وبلاده، واختار بلاد الغربة، وقنع بالأكل من عمل يده، إما من الحصاد، أو نظارة البساتين.
ومن القصص العجيبة التي حدثت مع إبراهيم بن أدهم بعد انتهائه من العمرة ﺫﻫﺐ إﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﻮﺭة ﻟﺰﻳﺎﺭة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وﻭﺻﻞ إﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨة ﻣﻊ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ، ﻭﺑﻌﺪ أﻥﺻﻠﻰ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﺴﺒﺢ ﻭﻳﺬﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ.
ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ إﺫ ﺟﺎﺀﻩ أﺣﺪ ﺍﻟﻤﺸﺮﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻃﺎﻟﺒﺎ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ إﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ أﻧﻬﻲ ﺻﻼﺗﻪ لأنهم يعلقون ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ: ﻫﻼ ﺗﺮﻛﺘﻨﻲ أﺑﻴﺖ ﻫﻨﺎ، ﻓﻠﻢ أﻛﺘﺮﻱ ﺑﻴﺘًﺎ ﺑﻌﺪ، ﻭأﻏﻠﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺛﻢ إﺫﺍ ﺭﺟﻌﺘﻢ ﻓﻲ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺳﺘﺠﺪﻭﻧﻲ ﻫﻨﺎ ﺑﺎﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ.
ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ هذا الرجل إﻻ أﻥ ﻧﺎﺩﻯ ﻋﻠﻰ أخرين ﻭأﺧﺬﻭﺍ ﻓﻲ ﺷﺪ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺋﺘﻪ ﻭأخرجوه ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺧﻮﻓﺎ أﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ﺷﺮًﺍ.
ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﻪ ﻭﻋﻨﺪ ﻭﺻﻮﻟﻬﻢ إﻟﻰ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺭﺁﻫﻢ أﺣﺪ ﺍﻟﻤﺎﺭﻳﻦ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎلة، ﻓﺠﺎﺀ إﻟﻴﻬﻢ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻜﻢ؟ ﺍﺗﺮﻛﻮﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻓﺎﺧﺒﺮﻭﻩ ﺑﺎﻟﻘصة، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: أﻧﺎ أﺧﺬﻩ ﻟﻠﻤﺒﻴﺖ ﻋﻨﺪﻱ.
ﻓﺎﺧﺬﻩ الرجل ﻭﺫﻫﺐ ﺑﻪ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: أﻧﺎ ﺭﺟﻞ ﺧﺒﺎﺯ أﺧﺒﺰ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ ﻭأﺑﻨﺎﺋﻲ ﻳﺒﻴﻌﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﻋﻨﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﺒﺰ ﺳﺮﻳﺮ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أﻥ ﺗﻨﺎﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ، ﺛﻢ ﺗﺴﺘﺄﺟﺮ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻣﻜﺎﻧًﺎ أﺧﺮ إﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﻨﻮﻯ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ.
ﻓﺬﻫﺐ ﻣﻌﻪ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﺍﺩﻫﻢ إﻟﻰ ﺍﻟﻤﺨﺒﺰ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺍﻟﻨﻮﻡ، ﻓﻈﻞ ﻳﺮﺍﻗﺐ ﺍﻟﺨﺒﺎﺯ ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﺮﺁﻩ ﻳﻘﻮﻝ: ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ إﺩﺧﺎﻟﻪ ﺍﻟﺨﺒﺰ إﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﻥ، ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ إﺧﺮﺍﺟﻪ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻇﻞ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺧﺒﺰﻩ، ﻓﺴأﻟﻪ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ: ﻳﺎ أﺧﻲ أﻣﺎ ﻟﻚ ﺫﻛﺮ ﻏﻴﺮ ﻫﺬﺍ؟!.
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻭﺍﻟﻠﻪ إﻥ ﻟﻲ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﻋﺎﻣًﺎ ﻭأﻧﺎ ﻣﺎ أﺩﺧﻠﺖ ﺧﺒﺰﺓ إﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﻥ إﻻ بﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻻ أﺧﺮﺟﺘﻬﺎ إﻻ ﺑﺤﻤﺪ ﺍﻟﻠﻪ.
ﻓﻘﺎﻝ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ ﻭﻫﻞ ﻭﺟﺪﺕ أﺛﺮﺍ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻚ؟، ﻓﻘﺎﻝ: ﻧﻌﻢ ﻣﺎ ﺳﺄﻟﺖ ﺍﻟﻠﻪ ﺷﻴﺌًﺎ إﻻ ﺍﺳﺘﺠﺎﺏ لي، إﻻ ﺩﻋﻮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺩﻋﻮﺗﻬﺎ ﻭﻻ ﺯﻟﺖ أﻛﺮﺭﻫﺎ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ! ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻭﻣﺎ ﻫﻲ !؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺳﺄﻟﺖ ﺍﻟﻠﻪ أﻥ ﻳﺠﻤﻌﻨﻲ بإﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ أﺟﻠﺲ ﻣﻌﻪ ﻭأﺳﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﻪ.
ﻓﻀﺤﻚ اﺑﻦ أﺩﻫﻢ ﻭﻗﺎﻝ: ﻟﻪ ﻳﺎ أﺧﻲ ﻭﺍﻟﻠﻪ إﻧﻚ أﻓﻀﻞ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﺗﻘﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺭﺟﻞ، ﻭأﻳﻦ أﻧﺎ ﻣﻦ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻮﺭﻉ !!.
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ أﺧﻲ إﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﻟﻚ بإبراهيم ﺑﻦ أﺩﻫﻢ ﻣﺠﺮﻭﺭًﺍ ﻣﻦ ﺛﻴﺎﺑﻪ ﺣﺘﻰ أﻟﻘﺎﻩ ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻣﻴﻚ.. أﻧﺎ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ، ﻓتعجب ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺣﻤﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺘﻪ ﻟﺪﻋﺎﺋﻪ.
إبراهيم بن أدهم   الصوفي الذي ترك الملك لأجل الآخرة
نسبه
أَبُو إِسْحَاقَ ابْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ العِجْلِيُّ القُدْوَةُ، الإِمَامُ، العَارِفُ، الزاهد.
ولد ببلخ وهي المدينة العظيمة التي شهدت أكبر حركة تنزع نحو التصوف والإقبال على الآخرة، وكان مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ المائَةِ.
جملة من مناقبه
لقد كان إبراهيم بن أدهم واحدًا من هؤلاء الصالحين الذين كانوا من أبناء الملوك، إذ كان والده ملكًا من ملوك خراسان وكان سبب زهده أنه خرج مرة إلى الصيد فسمع هاتفًا يقول له: يا إبراهيم، ما لهذا خُلِقْتَ ولا بذا أُمرتَ، فحلف ألا يعصي الله تعالى، وترك ملك أبيه فأكثر من السفر في طلب العلم والازدياد من الطاعات.
ففِي رِسَالَةِ القُشَيْرِيِّ، قَالَ: هُوَ مِنْ كُوْرَةِ بَلْخٍ، مِنْ أَبْنَاءِ المُلُوْكِ، أَثَارَ ثَعْلَباً أَوْ أَرْنَباً، فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ: أَلِهَذَا خُلِقتَ؟ أَمْ بِهَذَا أُمِرتَ؟
فَنَزَلَ، وَصَادفَ رَاعِياً لأَبِيْهِ، فَأَخَذَ عَبَاءتَه، وَأَعْطَاهُ فَرَسَه، وَمَا مَعَهُ، وَدَخَلَ البَادِيَةَ، وَصَحِبَ الثَّوْرِيَّ، وَالفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَدَخَلَ الشَّامَ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنَ الحَصَادِ وَحِفْظِ البَسَاتِيْنِ، وَرَأَى فِي البَادِيَةِ رَجُلاً، عَلَّمَهُ الاسْمَ الأَعْظَمَ فَدَعَا بِهِ، فَرَأَى الخَضِرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا عَلَّمَكَ أَخِي دَاوُدُ.
هذه الحادثة وغيرها دعته إلى الإعراض عن الدنيا والإقبال على الطاعات، ومما جاء في تفصيل هذه الحادثة أيضا ماورد في سير أعلام النبلاء على لسانه أنه قَالَ: كَانَ أَبِي مِنَ المُلُوْكِ المَيَاسِيْرِ، وَحُبِّبَ إِلَيْنَا الصَّيْدُ، فَرَكِبتُ، فَثَارَ أَرْنَبٌ أَوْ ثَعْلَبٌ، فَحرَّكتُ فَرَسِي، فَسَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ وَرَائِي: لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ، وَلاَ بِذَا أُمِرْتَ.
فَوَقَفتُ أَنظُرُ يَمنَةً وَيَسْرَةً، فَلَمْ أَرَ أَحَداً، ثُمَّ حَرَّكتُ فَرَسِي، فَأَسْمَعُ نِدَاءً أَجْهَرَ مِنْ ذَلِكَ: يَا إِبْرَاهِيْمُ! لَيْسَ لِذَا خُلِقتَ، وَلاَ بِذَا أُمِرتَ.
فَوَقَفتُ أَنظُرُ فَلاَ أَرَى أَحَداً، فَأَسْمَعُ نِدَاءً مِنْ قَرَبُوْسِ سَرجِي بِذَاكَ، فَقُلْتُ: أُنْبِهْتُ، أُنْبِهْتُ، جَاءنِي نَذِيرٌ، وَاللهِ لاَ عَصَيتُ اللهَ بَعْدَ يَوْمِي مَا عَصَمنِي اللهُ.
فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَخَلَّيتُ فَرَسِي، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رُعَاةٍ لأَبِي، فَأَخَذتُ جُبَّةً كِسَاءً، وَأَلقَيْتُ ثِيَابِي إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلتُ إِلَى العِرَاقِ، فَعَمِلتُ بِهَا أَيَّاماً، فَلَمْ يَصْفُ لِي مِنْهَا الحَلاَلُ، فَقِيْلَ لِي: عَلَيْكَ بِالشَّامِ.
زهده وأمانته
ترك إبراهيم بن أدهم المُلك والجاه فكان يلبس في الشتاء فروًا ليس تحته قميص، وفي الصيف شقة بدرهمين، ولم يكن يلبس خفين ولا عمامة، وكان كثير الصيام في السفر والحضر، قليل النوم كثير التفكر، وكان يأكل من عمل يده في حصاد الزرع وحراسة البساتين.
وروى أبو نعيم عن أبي إسحٰق الفزاري أنه قال: كان إبراهيم بن أدهم في شهر رمضان يحصد الزرع بالنهار ويصلي بالليل، فمكث ثلاثين يومًا لا ينام بالليل ولا بالنهار.
وعن ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَدْهَمَ، قَالَ: أَخَافُ أَنْ لاَ أُؤْجَرَ فِي تَرْكِي أَطَايِبَ الطَّعَامِ، لأَنِّيْ لاَ أَشْتَهِيهِ.
وَكَانَ إِذَا جَلَسَ عَلَى طَعَامٍ طَيِّبٍ، قَدَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَقَنَعَ بِالخُبْزِ وَالزَّيْتُوْنِ.
ومن أخبار أمانته
ما ذكره ابن الجوزي في «صفة الصفوة» عن أحمد بن داود أنه قال: مر يزيد بإبراهيم بن أدهم وهو ينطر بستانًا فقال: ناولنا من هذا العنب، فقال إبراهيم: ما أذنَ لي صاحبه، فقلب يزيد السوط وجعل يضربه به، فطأطأ إبراهيم رأسه وقال: اضرب رأسًا طالما عصى الله عز وجل، فتوقف الرجل عنه.
كراماته
معلوم عند المسلمين أن بعض الأولياء يصدر منهم كرامات، وهي أمور خارقة للعادة تكون دليلاً على صدق اتباعهم لنبيهم. وقد كثر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم الكرامات، وكان إبراهيم بن أدهم واحدًا من أولئك الذين حصلت على أيديهم أمور كهذه، منها ما ذكره يوسف النبهاني في «جامع كرامات الأولياء» وهو أن قومًا أتوا إلى إبراهيم بن أدهم فقالوا: يا أبا إسحٰق، إن الأسد واقف على طريقنا، فأتى إبراهيم إلى الأسد فقال: يا أبا الحارث إن كنتَ أُمِرْتَ فينا بشىء فامض لما أُمرتَ به، وإن لم تؤمر بشىء فتنحَّ عن طريقنا، فأدبر الأسد يهمهم.
وفي «روض الرياحين» كرامة أخرى له، وهي أنه أراد ركوب سفينة، فأبى الملاح إلا أن يأخذ دينارًا، فصلى إبراهيم ركعتين وقال: اللهُمَّ إنهم سألوني ما ليس عندي وهو عندك كثير، فصار الرمل دنانير فأخذ واحدًا دفعه له ولم يأخذ غيره.
ومن كراماته التي حصلت له في المصيصة (وهي مدينة في الشام يقال لها المنصورة) أنه خرج إلى مرج من مروج الشام فالتقى بأناس يوقدون نارًا حولهم خوف السباع، فطلبوا منه أن ينضم إليهم فأبى وجلس في ناحية وحيدًا، وبينما هو يصلي الليل إذ أتته ثلاثة أسود فتقدم الأول إليه فشمه وطاف حوله ثم تنحى ناحية فربض، ثم جاء الثاني ففعل كفعل الأول، ثم الثالث  ففعل كفعل الأولين، فلما  دخل السَّحَر قال للأسود: ما الذي جاء بكم أتريدون أن تأكلوني امضوا، فقامت الأسود فتركته وذهبت، وكل ذلك على مرأى من القوم.
حِكَمه ومواعظه
من جملة حِكَمه التي أُثرت عنه ما قاله في رسالة إلى سفيان الثوري يقول فيها: مَنْ عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، ومن أطلق بصره طال أسفه، ومن أطلق أمله ساء عمله، ومن أطلق لسانه قتل نفسه.
ومن درره الحِكَمية قوله: «قلة الحرص والطمع تورِث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجزع».
وعن أحمد بن خضرويه أن إبراهيم بن أدهم قال لرجل في الطواف حول الكعبة: «اعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات: أولاها أن تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة، والثانية أن تغلق باب العز وتفتح باب الذل، والثالثة أن تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد، والرابعة أن تغلق باب النوم وتفتح باب السهر، والخامسة أن تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر، والسادسة أن تغلق باب الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت».
وكان عامة دعائه: اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك.
وفاته 
ذكر صاحب «جامع كرامات الأولياء» أنه َتُوُفِّيَ في بلاد الشام سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، ودفن في جبلة من سواحل سوريا، وروي عن المنادي أنه قال: وقد زرته والحمد لله في جبلة وحصلت لي بركته، وله مزار عظيم وجامع كبير قديم، وأوقاف كثيرة. وقال ابن الجوزي في «صفة الصفوة» إنه توفي بالجزيرة وحمل إلى صور فدفن فيها.
رحم الله  ابراهيم بن أدهم وحشرنا في زمرته وزمرة الصالحين يوم الدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق