الثلاثاء، 9 مايو 2017

دمنهور ... مدينة الإله حورس




بقلم الدكتور خالد عزب
 في غرب دلتا النيل شمال مصر تقع محافظة من أكبر محافظات مصر مساحة؛ هي محافظة البحيرة، وعاصمة هذه المحافظة مدينة دمنهور تعد من أقدم مدن مصر، إذ إنها مدينة فرعونية، وكانت تسمى "دمن حور" أي بلد الصقر حور. وهذه المدينة كانت عاصمة لمملكة غرب الدلتا قبل عصر الأسرات في مصر القديمة، ثم تحولت إلى مقاطعة من مقاطعات مصر بعد هذا العصر. ومازالت كذلك إلى اليوم مع اختلاف الأسماء من عصر لآخر.
 شهدت دمنهور نشاطًا عمرانيًّا في العصور الفرعونية، وكان بها معبد للإله حور، وفي العصر اليوناني الروماني شيد بها معبد للإله هرمس. وعثر بها في السنوات الأخيرة على مجموعات من الأعمدة التي كانت مستخدمة في تشييد المعابد. وعلى عملات أثرية تعود للعصر اليوناني الروماني.
 كانت دمنهور قنطرة المسلمين إلى تحطيم دولة الروم في الإسكندرية عند الفتح الإسلامي، وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب من أجل فتحها مع المدن الأخرى.
 في القرن الثالث الهجري، وعلى وجه التحديد، في الخلاف الذي نشب بين الأمين والمأمون فيما بين سنتي 199هـ وسنة 210 هـ شهدت دمنهور معارك دموية.
زارها الرحالة ابن جبير في سنة 5788هـ فقال إنها "بلد مسور، في بسيط من الأرض أفيح متصل من الإسكندرية إلى مصر، والقرى فيها يمينًا وشمالاً لا تحصى". وزارها ابن بطوطة في القرن السابع الهجري، فكانت مدينة كبيرة على حد تعبيره ، وذكرها المنذري في القرن السابع أيضًا فقال إنها : قصبة البحيرة ، وإليها تنسب الثياب الدمنهورية. وكشفت لنا أقوال الرحالة والجغرافيين عن أن موقع دمنهور هو أحد الأسباب الرئيسية لازدهارها فضلاً عن شهرتها في إنتاج المنسوجات. إذ إنها أهم محطة على الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية.
 ازدهرت في العصر المملوكي على يد واليها الجغرافي الشهير غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري، صاحب كتاب "زبدة كشف الممالك " حيث شهدت إنشاء العديد من المساجد والمدارس.
 وقدم لنا ابن دقماق وصفًا شاملاً لدمنهور في تلك الفترة قائلاً: "هي مدينة قديمة عامرة، وبها جامع ومدارس وحمامات وفنادق وقياسر وغير ذلك، وهي قاعدة البحيرة وبها مقام نائب الوجه البحري، ويطلق عليه ملك الأمراء، وبها خليج من خليج الإسكندرية، وهي في الجنوب الشرقي للإسكندرية، وتعرف بدمنهور المدينة، ولما جاءت فتنة عرب البحيرة، في سنة بضع وثمانين وسبعمائة رسم السلطان الظاهر سيف الدين برقوق بعمارة سور عليها فعمل عليها سور من اللبن". ونستشف من هذا النص العديد من الملاحظات الهامة، التى أبرزها ابن دقماق، أولها: الازدهار العمراني بمدينة دمنهور في العصر المملوكي، وهو ما جعلها مقرًّا لنائب الوجه البحري، وقد بين لنا سبب الازدهار وذلك بطريق غير مباشر، أن لدمنهور خليج من خليج الإسكندرية، وخليج الإسكندرية كان يمتد من فوة على فرع رشيد من دلتا النيل إلى الإسكندرية. وكانت تجارة مصر الداخلية والخارجية تنقل عبر هذا الفرع من وإلى الإسكندرية. والملاحظة الثانية تتعلق بتسوير دمنهور، وقد سبق أن ذكر ابن جبير أن لدمنهور سورًا ولكن يبدو أن المدينة توسعت وهدم سورها، مما جعل السلطان برقوق يبنى لها سورًا، ومازال بدمنهور إلى اليوم حي يطلق عليه القلعة، أرجح أنه كان يوجد به قلعة صغيرة تتوسط السور الذي كان يحيط بالمدينة، وكان بدمنهور حارة تعرف بحارة باب النصر، وهو ما يعني أن أبواب سور دمنهور سميت بنفس أسماء سور القاهرة الحربي، وأولى السلطان قايتباي سور دمنهور اهتمامًا كبيرًا فى سنة 801 هجرية لحمايتها من الغارات المتتابعة.
دمنهور والحملة الفرنسية
 نشبت في البحيرة ثورة ضد الفرنسيين في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، فقد ظهر في البحيرة رجل ادعى المهدية ودعا الناس إلى قتال الفرنسيين، فأقبلوا عليه أفواجًا وضم إليه رجال القبائل من أولاد علي والهنادي وغيرهما، وأنحاز إليه سكان القرى التي مر بها، فسار بهذه الجموع حتى وصل إلى دمنهور، وكان بها حامية من الجنود الفرنسيين، فأمر المهدي رجاله بالهجوم على هذه الحامية فهجموا عليها وقتلوا رجالها جميعًا.
 لما علم الجنرال مارمون قومندان الإسكندرية بنبأ الكارثة التي حلت بالحامية الفرنسية بدمنهور، أنفذ قوة من الجنود مزودة بالمدافع لتتعقب جيش المهدي وتتصل بكتيبة الجنود الفرنسية بالرحمانية بالقرب من دمنهور، ودار قتال شديد بين جيش المهدي والفرنسيين انتهى بانسحاب الفرنسيين بعد خمسة أيام مهزومين، ثم حشد الفرنسيون قواتهم حول دمنهور مرة أخرى، ودمروا المدينة وأبادوا من وجدوه من السكان.
دمنهور في عصر محمد علي 
 اهتم محمد علي بدمنهور فشيد بها مصنعًا للغزل فيه مائة دولاب وثمانون مشطًا، ومصنعًا للنسيج ينسج فيه الصوف الذي تصنع منه مستلزمات الجيوش البرية والبحرية. وطرأ تحول هام بدمنهور حينما بدأ عباس حلمي خديوي مصر في عام 1850م في اتخاذ ما يلزم نحو إنشاء خط حديدي بين الإسكندرية والقاهرة، فكان من الطبيعي أن يخترق إقليم البحيرة، مما أدى حتمًا إلى ازدهار المدينة.
معالم دمنهور 
 عثر في مدينة دمنهور على مجموعة من الأحجار الفرعونية، وبعض التماثيل التي تعود لعصور فرعونية مختلفة، ويوجد بدمنهور عدد من المساجد الأثرية التي تتفق في طرازها العام مع طراز مساجد الدلتا،
ومن هذه المساجد: مسجد الخراشي
مسجد "الخراشي"، بدمنهور أنشئ عام 1300 هـ / 1882م طبقا للتاريخ المثبت على المنبر، وهذا المسجد بني من الأجر الأحمر ويشغل مساحة شبه مستطيلة وله مدخلان في الجدار الشرقي والشمالي ويتكون المسجد من الداخل من أربعة أورقة موازية لجار القبلة ومتعامدة عليها في نفس الوقت تشكلها ثلاثة بوائك من العقود التي تحمل السقف الخشبي، والأعمدة التي تحمل هذه العقود أسطوانية الشكل مكسية بالبياض.
وملحق بالمسجد ضريح في النصف الشرقي من الجدار البحري للمسجد ومئذنته هدمت ولم يتبق منها سوى قاعدتها.
امام و خطيب المسجد \ الشيخ محمود عبد الكريم
 يرجع تاريخه إلى العصر المملوكي، وتم تجديده في العصر العثماني، ويوجد بالمدخل الرئيسي لهذا المسجد في الضلع الجنوبي الغربي، ويدخل منه إلى الرواق الثاني الذي يتوسط سقفه شخشيخة لإنارة وتهوية المسجد، والمسجد من الداخل يتكون من أربعة أروقة تفصل بينها ثلاث بائكات، ويتوسط الضلع الجنوبي الشرقي المحراب الذي تعلوه قمرية ويوجد على يمينه المنبر، وهو منبر له درابزين -سياج - من الخشب الخرط الميموني المائل، وريشتاه مزخرفتان بسدايب من الخشب المعقلى المائل، وتتضمن كتابات المنبر آيات قرآنية واسم صانعه أحمد عزيز.
مسجد المرداني ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏سماء‏، و‏سحاب‏‏ و‏في الهواء الطلق‏‏‏
 ينسب هذا المسجد إلى الأمير الطنبغا المرداني، وهو أحد كبار أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ولهذا المسجد مدخل عبارة عن عقد مدائني كوشتاه مزخرفتان بالطوب المنجور، وعلى جانبي هذا المدخل مكسلتان ويعلو باب المدخل نص تجديده في العصر العثماني، وعلى يسار هذا المدخل مئذنة تتكون من كرسي مربع يرتفع بارتفاع المسجد، يليه طابق مثمن بكل حافة من حوافه حزمة ثلاثية من الأعمدة، وبين كل حزمتين عقد مدبب، يلي ذلك الشرفة المحمولة على حطات من المقرنصات يليها طابق آخر مثمن يماثل سابقه، ويعلو هذا الطابق خوذة مسننة تماثل نهايات المآذن العثمانية، والمسجد من الداخل يتكون من أربعة أروقة يفصل بينها ثلاث بائكات.
وبدمنهور عدد آخر من المساجد القديمة التي تعود للقرون 17، 18، 199م، وبها عدد من المساجد الحديثة؛ أبرزها: مسجد التوبة الذي استعمل فيه المعمار العديد من عناصر العمارة المملوكية، ومسجد الحصافي الذي يمثل عمارة جنوب شرق آسيا، وهو طراز فريد في العمارة لم يسبق أن بني مثله في مصر.
مسجد الحبشي 
لا يتوفر نص بديل تلقائي.
 يعتبر هذا المسجد من أروع مساجد دمنهور فخامة، حيث جمع المعمار فيه كل فنون العمارة المملوكية، ويحيط بهذا المسجد سور يوجد به بابان يؤديان إلى حديقة المسجد، وعلى يسار الباب الأيسر سبيل مياه عبارة عن مبنى مثمن الأضلاع، بكل ضلع من أضلاعه نافذة من الحديد المشكل بأشكال جميلة، وبكل نافذة صنبور للمياه، ويعلو النوافذ مثمن به زخارف نباتية يعلوه طابق مثمن أصغر منه بكل ضلع من أضلاعه نافذة مصمتة، ويعلو هذا الطابق قبة مثمنة بها زخارف نباتية يعلوها هلال. وللمسجد في ضلعيه الجنوبي الغربي والشمالي الشرقي بابان يبرزان عن حائطي المسجد، يتوج كل باب منها عقد مدائني ذو طاقية مخوصة، ويعلو الباب صف من الشرفات، ويوجد على جانبيه من أسفل مكسلتان، وجدران المسجد من الخارج مزخرفة بزخارف نباتية وبالأطباق النجمية. 
 ويتكون المسجد من الداخل من ثلاثة أروقة يفصل بينها بائكتان كل بائكة مكونة من ثلاثة عقود، ويفتح البابان الرئيسيان على الرواق الأوسط، التي يعلو بلاطته الوسطى قبة كبيرة، مزخرفة من الخارج بزخارف دالية، ومئذنة المسجد تماثل مآذن المساجد المملوكية.
وهذا المسجد وضع حجر أساسه الملك فؤاد الأول حينما زار دمنهور في عام 19200م، وذلك بحضور شيخ الأزهر آنذاك محمد أبو الفضل الجيزاوي وحسين بك الحبشي الذي نفذ وصية والده محمود باشا الحبشي الخاصة ببناء هذا المسجد، وقدم حسين بك إلى الملك فنجان قهوة مرصعًا بالماس والياقوت.
وزار الملك فؤاد دمنهور مرة أخرى في عام 1930م؛ حيث قام بافتتاح مبنى البلدية


الذي صمم على الطراز الإسلامي، وهذا التصميم لم يقتصر فقط على الشكل المعماري والزخارف بل امتد إلى تكوينات المبنى المعمارية، وهو يتكون من طابقين، وصمم على هيئة حصن حربي؛ حيث يوجد في أركانه الأربع أربعة أبراج تبرز عن المبنى وترتفع عنه، ويتوسط المدخل الواجهة الرئيسية للمبنى، وهو يبرز عنها، يعلوه في الطابق الثاني ثلاثة نوافذ معقودة تفتح على مكتب رئيس البلدية،
نتيجة بحث الصور عن دمنهور


ويتوسط المبنى صحن مكشوف، وألحق به قاعة للاجتماعات والاحتفالات لها مدخل مستقل، ومكتبة تحتوي على مجموعة من أندر الكتب بمصر.
صورة ذات صلة






وافتتح الملك فاروق في نفس اليوم مبنى دار الإسعاف المواجه لدار البلدية.

نتيجة بحث الصور عن دمنهور مبنى الاسعاف
 وتشتهر دمنهور حاليًّا بصناعة السجاد، وكذلك بإستادها الرياضي الذي يعد من أوائل الإستادات الرياضية التي شيدت في أقاليم مصر. ويوجد بها فرع لجامعة الأزهر وآخر لجامعة الإسكندرية تحول من فترة وجيزة إلى جامعة دمنهور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق